في زمنٍ مضى _وليس ببعيد_ كان أحد الأساتذة يناديني بلقبٍ فخم جدًا؛ وعلى الموضة آنذاك، ولكنه من الداخل لم يستهويني اللقب!
كعادة الآباء والأمهات حين ينادون ابنهم بـ “المهندس” منذ صغره في محاولة غير مقصودة لتنميطه وتهيئته لدراسة الهندسة، بناءً على مزاجهم المقدّس.
ومحاولة التنميط والحكم المبكّر سواء (مدحًا) أو (قدحًا) على شخص، لها تأثير على إصابة المرء بعمى في إداركه عن ذاته.
والذي لا يعرف إمكاناته و ماذا يريد، سيكون ورقة في صحراء التيْه تقلّبها رياح الألسن وأعاصير التخمينات.
تعرفون الإمام الجليل المزني؟
كان يقول للطحاوي وهو ابن اخته: “والله لاتفلح” !
ثم ماذا أصبح الطحاوي؟
يقول الطحاوي عن تلك الكلمة:
“لو رآني شيخي المزني والناس حولي يقرأون كتابي لكّفر عن يمينه”
ولو أن الطحاوي جعل رأي الشيخ المزني على جلالته حقيقة لما زاد على أن يبيع العدس بالصعيد في مصر!
ولمولانا الأديب الرافعي كلام قيّم مختصر في وضع قول الناس مدحا أو قدحاً في مكانه المناسب:
“مقامك حيثُ أقمتَ نفسك، لا حيث أقامك الناس، فالناس لا تعدل ولا تزن.”
فهل ياترى أنا (أنا) وأنت (أنت) ؟؟
لم نُجبر على بِشت أو بالطو أو شورت ..
فلكل واحد من الآدميين في داخله صورتان:
– الإنسان كما هو.
– الإنسان كما يعتقد كيف يراه الناس.
وبعضنا يا للأسف يعيش جل حياته بالصورة الثانية.
احتفظ بنص وجدته قبل فترة، وهو من قراءات أيام الجامعة أو (لياليها) إذا أردنا أن نكون أكثر دقّة، من كتاب (اهتم بذاتك) لـ فيليب سي، يقول:
“إن أحد الحمقى، صديق من الجنس الآخر،أو والدة الزوج، أو الرئيس في العمل، أو صديق…إلخ= قد يلقي في وجهنا بانتقاد مبهم؛ غير قائم على أي أساس، فما يكون منّا لأننا لم نقم بعملنا في جمع الحقائق عن أنفسنا؛
إلا أن نقبل ذلك الإنتقاد ونضعه في أعماق مركز تصورنا لذواتنا”
فلا تكن يا أنت إلا أنت!
وأعرف مقامك ولو توّجوك بالألقاب المغرية أو هدّوك بفؤوس التخذيل.
محمد أحمد بارحمة